نري قبل الخوض في ميادين العقائد والطقوس أنه من المناسب جدا أن نمهد لهذا الباب بمقدمة تفسيرية عن العقائد الإيمانية-والطقوس الكنائسية حتي يتسني لنا التمييز بين العقيدة والطقس وبذا نضمن بعد ذلك عدم الخلط بين هذه وتلك.
لو قابلنا جميع الديانات بعضها ببعض لنستخلص منها الجوهر المشترك بينها لرأينا أن الديانة تتألف من عنصرين رئيسيين.
الأول المعتقد -وهو مجموعة من الحقائق يجب معرفتها والتصديق بها- فوجود الله وأنه أعلي من الإنسان وأن له حقا عليه في هذه الحياة وأنه سيكون بعد ذلك ديانا لنا فيكافئنا علي أعمالنا الصالحة أو يعاقبنا علي أعمالنا الشريرة.كل هذه الأمور هي بعض الحقائق التي لابد لكل إنسان من الاعتقاد بها لكي يحسب متدينا وهذا ما يعبر عنه بالعقائد الإيمانية.
الثاني العبادة -وهي مجموعة من الطقوس تتحتم معرفتها وإتمامها.فالإنسان أيا كانت ديانته يتقرب إلي الله بها.فتقديم الذبائح كان في العهد القديم عقيدة إيمانية-أما ما تتطلبه هذه العملية من الشروط المتعددة كأن تكون ذكرا خاليا من كل عيب.ثم طريقة ذبحه والأخذ من دمه وشحمه وحرق البعض منه إلي آخر ما هنالك.كل ذلك أشياء كان يجب ممارستها عند تقديم ذبيحة ما وهذا ما يعبر عنه بالطقوس الكنسية.
الآن أمكننا أن نميز بين العقيدة والطقس فلا بأس إذا من أن نتوسع قليلا في الموضوع علي ضوء عقائدنا المسيحية وطقوسنا الأرثوذكسية.
العقائد الإيمانية
قضت العناية الإلهية أن يعيش المؤمنون علي هذه الأرض ردحا من الزمن يشجعهم علي ذلك الوعد الإلهي بنقلهم إلي الحياة الأبدية حيث السعادة الدائمة والنعيم المقيم.
علي هذا تنقسم العقائد الإيمانية إلي قسمين رئيسيين.
الأول:الأمور التي يتعلق بها الإيمان ذاتيا.وهي الأشياء التي نترجي نوالها في الحياة الأبدية ونؤمل أن نعاينها في الوطن السعيد ولذلك قال الرسول أما الإيمان فهو الثقة بما يرجي والإيقان بأمور لا تري عب15:.1
الثاني:الأمور التي يتعلق بها الإيمان لا لذاتها بل لغيرها وهي الأشياء التي ندعي إلي اعتقادها علي أن المقصود بها بيان ما تقدم من الأمور المقصودة بالذات.فتوما الرسول عندما لمس جراح السيد لم يؤمن بالجسد المجروح بل بالإله الحقيقي ولذا صرخ قائلا ربي وإلهي يو20:28 ونحن في إيماننا بالقيامة العامة مثلا لا نؤمن بها في ذاتها بل لأنها الطريق إلي الدينونة العامة وهذه إلي مكافأة المحسن ومجازاة المسئ وتلك إلي التمتع بالرب ومجده أو الطرد حيث إبليس وجنده.
ولكل من هذين القسمين الرئيسيين أقسام فرعية أيضا.وخوفا من أن يطول بنا الشرح نكتفي بإيراد مثل واحد يرينا كيف تتداخل العقائد الإيمانية الفرعية في العقائد الرئيسية.
قال الرسول إن الذي يأتي إلي الله يؤمن بأنه موجود وأنه يجازي الذين يطلبونه عب11:6 فها قد رأينا أن عقيدة الإيمان بوجود الله يتدرج فيها ضمنا الإيمان بعنايته الإلهية الذي يدخل ضمنها عمل الفداء العظيم للجنس البشري ثم المجازاة العامة وهكذا.
الطقوس الكنائسية
عرفنا من سياق حديثنا هذا أن الطقوس هي الكيفية التي بها يعبد الإنسان الله ولنضرب لذلك مثلا.قال الله قديما لتنبت الأرض عشبا وبقلا يبزر بزرا وشجرا ذا ثمر يعمل ثمرا كجنسه تك1:11 وسرعان ما أنبتت الأرض عشبها وأخرجت نباتها.ولكن ما هو الحال الآن عندما يريد الفلاح أن يمارس عملية الزراعة هذه.نعم أنه يضع نصب عينيه هذه العبارة الإلهية واتكالا عليها نراه يمهد لها بعمليات عدة فيروي الأرض ويجففها ثم يحرثها ويقوم بتنظيمها أحواضا أو خطوطا وبعدئذ يلقي بذاره ويغمره بالمياه ويتعهده بالتسميد وبعد ذلك عليه أن ينتظر الحب من الرب.
فالإيمان الذي عليه شاد الفلاح رجاءه في الزراعة شئ والعملية التي قام بها شئ آخر.وهذه بمثابة طقس عملي لهذه العقيدة الراسخة.
قال السيد المسيح لرسله القديسين:اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس مت28:19 فهذه عقيدة إيمانية ثابتة ولكنها تحتاج إلي كيفية تمارس بها وهذا مما دعي الكنيسة بأن ترتب لها صلاة خاصة وهي ما يقال لها طقس المعمودية.وما يقال عنها يقال عن باقي الأسرار.
هذا ما أمكننا أن نحدثك به الآن أيها القارئ العزيز ولا يسعنا بعد ذلك إلا أن نعدك أننا بمشيئة الله سنتحفك بالكثير الجيد من المباحث العقائدية والطقسية